قبل الانتخابات الاندونيسية في 14 فبراير الماضي انتشر فيديو واسع النطاق للرئيس الاندونيسي الراحل (سوهارتو) وهو يدافع عن الحزب السياسي الذي كان يتراسه سابقا حقق الفيديو المزيف الذي تم انشاءو بسخدام الذكاء الاصطناعي اكثر من 4.7 مليون مشاهدة على منصة (اكس) وحدها
لم تكن هذه الحادثة الوحيدة حيث ظهرت في باكستان محتوى مزيف لرئيس الوزراء السابق (عمران خان) حول الانتخابات الوطنية حيث اعلن ان حزبه سيقاطع هذه الانتخابات وفي الوقت نفسه انتشرت في الولايات المتحدة مكالمة صوتية مزيفة للرئيس الامريكي (جو بايدن) حث فيها الناخبين في ولاية (نيو هامبشاير) على عدم التصويت في الانتخابات التمهيدية الرئاسية في الولاية
بهذه الطريقة اصبحت مقاطع الفيديو المزيفة للرئساء والسياسيين باستخدام الذكاء الاصطناعي شائعة بشكل متزايد منذ بداية عام 2024 الذي ينتظر ان يشهد اكبر انتخابات عالمية في التاريخ تشير التقارير الى ان ما لا يقل عن 60 دولة تستعد لاجراء انتخابات هذا العام ومن المتوقع ان يشارك فيها اكثر من اربعة مليارات شخص وهذا يجعل من مقاطع الفيديو المزيفة (Deepfakes) مصدر قلق كبير في العديد من البلدان
ومن هنا نجد انفسنا مواجهين بعدة اسئلة مهمة هل سيمكن للذكاء الاصطناعي تسهيل التلاعب في الانتخابات الامريكية بهدف تحقيق مصالحها وهل يمكن ان نشهد اختراق للانتخابات الامريكية باكبر من ذلك الذي حدث في عام 2016 وهل هناك حلول ممكنة لتفادي هذه التهديدات؟
اولا هنا بعض البيانات حول انتشار ظاهرة التزييف العميق
زاد عدد مقاطع الفيديو التي تستخدم تقنيات التزييف العميق حول العالم بشكل كبير بلغ عشر مرات خلال الفترة من عام 2022 الى 2023 وفي منطقة آسيا والمحيط الهادئ زادت مقاطع الفيديو المزيفة بمعدل 1530٪ خلال نفس الفترة
شهدت وسائل الاعلام عبر الانترنت – التي تشمل المواقع الاخبارية وخدمات البث المباشر ومنصات التواصل الاجتماعي والاعلانات الرقمية – زيادة كبيرة في حالات الاحتيال المتعلقة بالهوية بنسبة تصل الى 274% خلال الفترة بين عامي 2021 و2023 وتاثرت قطاعات الخدمات المهنية والرعاية الصحية والمواصلات والعاب الفيديو بارتفاع حالات الاحتيال المتعلقة بالهوية
قالت شركة (CrowdStrike) للامن السيبراني في تقريرها حول التهديدات العالمية لعام 2024 انه مع زيادة عدد الانتخابات المزمعة هذا العام من المرجح ان يشن ممثلون من دول قومية مثل الصين وروسيا وايران حملات تضليل للتلاعب بالانتخابات الرئاسية في عدة دول لصالحها
هل ستقوم بعض الدول باستخدام التكنولوجيا الذكية للتدخل في الانتخابات الامريكية؟
حذرت شركة مايكروسوفت من استخدام الذكاء الاصطناعي في الصين للتدخل في انتخابات الرئاسة المقررة هذا العام في الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية والهند جاء هذا التحذير بعد اجراء تجربة خلال الانتخابات في تايوان في يناير وفق لتقرير منشور من مركز تحليل التهديدات في مايكروسوفت في ابريل
وكشف تقرير شركة مايكروسوفت ان الصين استخدمت حسابات مزيفة على وسائل التواصل الاجتماعي لنشر محتوى مستند على تقنيات الذكاء الاصطناعي خلال عام 2023 بهدف التاثير في الراي العام الامريكي من خلال اثارة الجدل حول مواضيع مختلفة
تمت الادعاءات بان الحكومة الامريكية قد اشعلت حرائق غابات جزيرة ماوي التي وقعت في اغسطس 2023 عن عمد لاختبار سلاح عسكري للطقس
تم نشر نظريات المؤامرة حول حادث خروج القطار في ولاية كنتاكي في نوفمبر 2023 حيث اتهمت الحكومة الامريكية بالتسبب في الحادث واخفاء المعلومات كما ربطت بعض الاشخاص بين انحراف القطار عن المسار واحداث 11 سبتمبر ونظريات التستر على بيرل هاربور
اتهام الولايات المتحدة بتسميم امدادات المياه في بعض البلدان بشكل متعمد للحفاظ على السيطرة على الموارد المائية جزء من حملة دولية متعددة اللغات كان محورها الرئيسي تركيزها على قرار اليابان وحكومتها بالتخلص من مياه محطة فوكوشيما النووية في المحيط الهادئ
بالاضافة الى ذلك استغلت بعض الحملات سياسات الهجرة والتوترات العنصرية في الولايات المتحدة واشار خبراء شركة مايكروسوفت في تقريرهم الى ان تاثير المحتوى الذي انشاته الصين باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي على الراي العام الامريكي كان ضغير ولكنهم حذروا من ان هذا قد يتغير خلال الانتخابات القادمة بسبب تعقيد الهجمات التي ستستخدمها الصين لتحقيق اهدافها
حذر العديد من الخبراء ان التهديدات الجسيمة للتلاعب بالمعلومات لن تاتي من الجهات الخارجية او من الدول المنافسة بل ستكون من داخل البلدان المعنية حيث يمكن ان تاتي من الاحزاب المعارضة او من اليمين او اليسار مما سيؤدي الى تلويث البيئة الاعلامية وصعوبة الوصول الى معلومات دقيقة وتشكيل اراء مستنيرة حول الاحزاب السياسية او المرشحين
حذر (سيمون تشيسترمان) المدير الاول لحوكمة الذكاء الاصطناعي في سنغافورة من ان انتشار محتوى مزيف يمكن ان يوذي سمعة المرشح ويثبت الناخبين عن التصويت له بعد كشف الفضيحة المزعومة مما سبب ضررا جسيم واشار الى ان الحكومات ستواجه صعوبة في مواجهة انتشار الاخبار الكاذبة على الانترنت بسرعة على الرغم من وجود ادوات لمكافحتها
قدم تشيسترمان مثال على انتشار المحتوى المزيف المتسب للمغنية تايلور سويفت كدليل على سرعة انتشار الاخبار الكاذبة عبر شبكة الانترنت واكد ان الجهود المبذولة لمكافحة هذه الظاهرة غالبا تكون غير كافية وتاتي متاخرة مما يقلل من فعاليتها
هل هناك حلول ممكنة لتجنب تهديدات الذكاء الاصطناعي للانتخابات؟
اعلنت 20 شركة تقنية رائدة خلال شهر فبراير الماضي منها جوجل مايكروسوفت امازون ميتا ادوبي IBM وشركة OpenAI الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي وشركات التواصل الاجتماعي مثل سناب شات تيك توك واكس وقد وقعت هذه الشركات اتفاق مشترك لمكافحة استخدام التزوير العميق الناتج عن التلاعب بالانتخابات الديمقراطية في جميع انحاء العالم
واوضح بعض الخبراء ان هذا الاتفاق يعد خطوة اولى هامة ولكن نجاحه سيعتمد على كيفية التنفيذ حيث ستحتاج شركات التكنولوجيا لنهج متعدد الجوانب لتبني تدابير متنوعة عبر منصاتها وصرح تشيسترمان “من الصعب تحديد المحتوى المسموح به عبر منصات التواصل الاجتماعي وقد تستغرق الشركات شهورا لاتخاذ القرار لذلك يجب عدم الاعتماد فقط على حسن نيات هذه الشركات ولذا يجب وضع قوانين وتنظيمات وتحديد توقعات لهذه الشركات”
لتحقيق هذا الهدف قامت الشركات باطلاق تحالف (C2PA) الذي يعني تحالف لمصدر المحتوى واصالته وهو مبادرة عالمية تهدف الى انشاء معيار مفتوح لتتبع اصل المحتوى على الانترنت والتاكد من صحته سيتم عرض معلومات تم التحقق منها للمشاهدين مثل منشئي المحتوى ومكان وزمان انشائه بالاضافة الى معرفة ما اذا كان الذكاء الاصطناعي التوليدي قد تم استخدامه في انتاج هذا المحتوى؟
الشركات الاعضاء في تحالف (C2PA) تشمل ادوبي جوجل مايكروسوفت انتل سوني Arm BBC وTruepic اعلنت OpenAI في فبراير الماضي عزمها اضافة علامات مائية تابعة لمعيار C2PA الى الصور التي تم انشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي من خلال اداتها (DALL-E 3)
قال مؤسس والرئيس التنفيذي لشركة OpenAI سام التمان في مقابلة مع وكالة بلومبرغ خلال المنتدى الاقتصادي العالمي دافوس 2024 “تركز شركتنا بشدة على ضمان عدم استخدام تقنياتها للتلاعب في الانتخابات الرئاسية الامريكية المقبلة دورنا مختلف عن دور منصات التواصل الاجتماعي او نشر الاخبار لذا يجب ان نعمل معهم”
